كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويقول تعالى: {وَمِنَ الناس مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ ولا هُدًى ولا كِتَابٍ مُّنِيرٍ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَا أَنزَلَ الله قالواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ابَاءَنَا أَولوكَانَ الشيطان يَدْعُوهُمْ إلى عَذَابِ السعير} [لقمان: 20- 21].
المسألة الثانية في الكلام على الاجتهاد:
اعلم أولا أنا قدمنا بطلأن قول الظاهرية بمنع الاجتهاد مطلقًا. وأن من الاجتهاد ما هو صحيح موافق للشرع الكريم. وبسطان أدلة ذلك بإيضاح في سورة الأنبياء في الكلام على قوله تعالى: {وَدَاو ودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ القوم وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78] الآية.
وبينا طرفًا منه في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: {ولاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الأسراء: 36] فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وغرضنا في هذه المسألة هو أن نبين أن تدبر القرآن وانتفاع متدبره بالعمل بما علم منه الذي دل عليه قوله تعالى في هذه الآية الكريمة التي نحن بصددها التي هي قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}. لا يتوقف على تحصيل الاجتهاد المطلق بشروطه المعروفة عند متأخري الأصو ليين.
اعلم أولا: أن المتأخرين من أهل الأصو ل الذين يقولون بمنع العمل بالكتاب والسنة نطلقًا غلا للمتجهدين. يقولون:
إن شروط الاجتهاد هي كون المجتهد بالغًا. عاقلًا شديد الفهم.
طبعًا عارفًا بالدليل العقلي. الذي هو استصحاب العدم الأصلي. حتى يرد نقل صارف عنه.
عارفًا باللغة العربية. وبالنحومن صرف وبلاغة مع معرفة الحقائق الشرعية والعرفية.
وبعضهم يزيد المحتاج غليه من فن المنطق كشرائط الحدود. والرسوم. وشرائط البرهان. عارفًا بالأصو ل. عارفًا بأدلة الأحكام من الكتاب والسنة.
ولا يشترط عندهم حفظ النصوص. بل يكفي عندهم علمه بمداركها في المصحف وكتب الحديث:
عارفًا بمواقع الإجماع والخلاف.
عارفًا بشروط المتواتر. والاحاد والصحيح والضعيف.
عارفًا بالناسخ والمنسوخ.
عارفًا بأٍباب النزول.
عارفًا بأحوال الصحابة وأحوال رواة الحديث. اختلفوا في شرط عدم إنكاره للقياس. اه.
ولا يخفى أن مستندهم في اشتراطهم لهذه الشروط ليس نصًا من كتاب ولا سنة يصرح بأن هذه الشروط كلها لا يصح دونها عمل بكتاب ولا سنة. ولا إجماعًا دالًا على ذلك.
وإنما مستندهم في ذلك هو تحقيق المناط في ظنهم.
وإيضاح ذلك هو أن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين كلها دال على ان العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. لا يشترط له إلا شرط واحد. وهو العلم بحكم ما يعمل به منهما.
ولا يشترط في العمل بالوحي شرط زائد على العلم بحكمه ألبتة.
وهذا مام لا يكاد ينازع فيه أحد.
ومراد متأخري الأصو ليين بجميع الشروط التي اشترطوها هو تحقيق المناط.
لأن العلم بالوحي لما كان هو مناط العمل به أرادوا أن يحققوا هذا المناط. أي يبينوا الطرق التي يتحقق بها حصلوا العلم الذي هو مناط العمل.
فاشترطوا جميع الشروط المذكورة. ظنًا منهم أنه لا يمكن تحقيق حصو ل العلم بالوحي دونها.
وهذا الظن فيه نظر.
لأن كل إنسان له فهم إذا أراد العمل بنص من كتاب أوسنة فلا يمتنع عليه. ولا يستحيل أن يتعلم معناه ويبحث عنه هل هو منسوخ أو مخصص أو مقيد حتى يعلم ذلك فيعمل به.
وسؤال أهل العلم: هل لهذا النص ناسخ أو مخصص أو مقيد مثلًا. وغخبارهم بذلك ليس من نوع التقليد. بل هو من نوع الاتباع.
وسنبين إن شاء الله الفرق بين التقليد والاتباع في مسألة التقليد الآتية.
والحاصل أن نصوص الكتاب والسنة التي لا تحصى واردة بإلزام جميع المكلفين بالعمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وليس في شيء منها التخصيص بمن حصل شروط الاجتهاد المذكورة.
وسنذكر طرفًا منها لنبين أنه لا يجوز تخصيصها بتحصيل الشروط المذكورة.
قال الله تعالى: {اتبعوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ ولا تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أوليَاءَ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3]. والمراد بما أنزل إليكم هو القرآن والسنة المبينة له لا اراء الرجال.
وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلى مَا أَنزَلَ الله وَإِلَى الرسول رَأَيْتَ المنافقين يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} [النساء: 61].
فدلت هذه الآية الكرمية أن من دعي إلى العمل بالقرآن والسنة وصد عن ذلك. أنه من جملة المنافقين. لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب.
وقال تعالى: {تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر} [النساء: 59] الآية. والرد إلى الله والرسول هو الرد إلى كتابه والرد إلى الرسول بعد وفاته صلى الله عليه وسلم هو الرد إلى سنته.
وتعليقه الإيمان في قوله: {إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله} [النور: 2] على رد التنازع إلى كتاب الله وسنة رسوله. يفهم منه أن من يرد التنازع إلى غيرهما لم يكن يؤمن بالله.
وقال تعالى: {واتبعوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} [الزمر: 55].
ولا شك أن القرآن أحسن ما أنزل إلينا من ربنا. والسنة مبينة له. وقد هدد من لم يتبع أحسن ما أنزل إلينا من ربنا بقوله: {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العذاب بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} [الزمر: 55].
وقال تعالى: {الذين يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أولئك الذين هَدَاهُمُ الله وأولئك هُمْ أُولوالألباب} [الزمر: 18]. ولا شك أن كتاب الله وسنة رسوله أحسن من اراء الرجال.
وقال تعالى: {وَمَا اتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا واتقوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} [الحشر: 7].
وقوله: {شَدِيدُ العقاب} فيه تهديد شديد لمن لم يعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولاسيما إن كان يظن أن أقوال الرجال تكفي عنها.
وقال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رسول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوالله واليوم الآخر} [الأحزاب: 21]. والأسوة: الاقتداء.
فيلزم المسلم أن يجعل قدوته رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك باتباع سنته.
وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ في أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 65]. وقد أقسم تعالى في هذه الآية الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما اختلفوا فيه.
وقال تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فاعلم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتبع هواه بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ الله إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين} [القصص: 50].
والاستجابة له صلى الله عليه وسلم وفاته هي الرجوع إلى سنته صلى الله عليه وسلم. وهي مبينة لكتاب الله.
وقد جاء في القرآن العظيم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتبع شيئًا إلا الوحي.
وأن من أطاعه صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله.
قال تعالى في سورة يونس: {قُلْ مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نفسي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس: 15].
وقال تعالى في الأنعام: {قُل لاَّ أَقول لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ الله ولا أَعْلَمُ الغيب ولا أَقول لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير أَفَلاَ تَتَفَكَّرُون} [الأنعام: 50].
وقال تعالى في الأحقاف: {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنَ الرسل وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ وَمَا أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الأحقاف: 9].
وقال تعالى في الأنبياء: {قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بالوحي} [الأنبياء: 45] الآية. فحصر الإنذار في الوحي دون غيره.
وقال تعالى: {قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ على نَفْسِي وَإِنِ اهتديت فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ: 50]. فبين أن الاهتداء إنما هو بالوحي والآيات بمثل هذا كثيرة.
وإذا علمت منها أن طريقه صلى الله عليه وسلم هي اتباع الوحي. فاعلم أن القرآن دل على ان من أطاعه صلى الله عليه وسلم فهو مطيع لله كما قال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} [النساء: 80] وقال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله} [آل عمران: 31] الآية.
ولم يضمن الله لأحد ألا يكون ضالًا في الدنيا ولا شقيًا في الآخرة إلا لمتبعي الوحي وحده.
قال تعالى في طه {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتبع هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ ولا يشقى} [طه: 123]. وقد دلت آية طه هذه على انتفاء الضلال والشقاوة عن متبعي الوحي.
ودلت آية البقرة على انتفاء الخوف والحزن عنه. وذلك في قوله تعالى: {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38].
ولا شك أن انتفاء الضلال والشقاوة والخوف والحزن عن متبعي الوحي. المصرح به في القرآن. لا يتحقق فيمن يقلد عالمًا ليس بمعصوم. لا يدري أصواب ما قلده فيه أم خطأ. في حال كونه معرضًا عن التدبر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولاسيما إن كان يظن أن اراء العالم الذي قلده. كافية مغنية. عن كتابه الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والآيات القرآنية الدالة على لزوم اتباع الوحي. والعمل به. لا تكاد تحصى. وكذلك الأحاديث النبوية الدالة على لزوم العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. لا تكاد تحصى. لأن طاعة الرسول طاعة الله.
وقد قال تعالى: {وَمَا اتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا واتقوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} [الحشر: 7].
وقال تعالى: {وَأَطِيعُواْ الله والرسول لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132].
وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُواْ الله والرسول فإِن تَولواْ فَإِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الكافرين} [آل عمران: 32].
وقال: {وَمَن يُطِعِ الله ورسولهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71].
وقال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله وَمَن تو لى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الذين آمنوا أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول وَأولي الأمر مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر} [النساء: 59] الآية.
وقال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ الله وَمَن يُطِعِ الله ورسولهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا وذلك الفوز العظيم وَمَن يَعْصِ الله ورسولهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا ولهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء: 13- 14].
وقال تعالى: {وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول واحذروا فَإِن تَوليْتُم فاعلموا أَنَّمَا على رَسولنَا البلاغ المبين} [المائدة: 92].
وقال تعالى: {وَأَطِيعُواْ الله ورسولهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1].
وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول فَإِن تَولواْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ المبين} [النور: 54].
وقال: {وَأَقِيمُواْ الصلاة وَاتُواْ الزكاة وَأَطِيعُواْ الرسول لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} [النور: 56].
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول ولا تبطلوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33].
وقال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قول المؤمنين إِذَا دعوا إِلَى الله ورسولهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقولواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وأولئك هُمُ المفلحون وَمَن يُطِعِ الله ورسولهُ وَيَخْشَ الله وَيَتَّقْهِ فأولئك هُمُ الفائزون} [النور: 51- 52].
وقال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رسول الله أُسْوَةٌ حَسَنَة}.
[الأحزاب: 21] الآية.
وقال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أوليَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بالمعروف وَيَنْهونَ عَنِ المنكر وَيُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَيُطِيعُونَ الله ورسولهُ أولئك سَيَرْحَمُهُمُ الله} [التوبة: 71] الآية.
ولا شك عند أحد من أهل العلم أن طاعة الله ورسوله المذكورة في هذه الآيات ونحوها من نصوص الوحي. محصورة في العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فنصوص القرآن والسنة كلها دالة على لزوم تدبر الوحي. وتفهمه وتعلمه والعمل به.
فتخصيص تلك النصوص كلها. بدعوى أن تدبر الوحي وتفهمه والعمل به: لا يصح شيء منه إلا لخصوص المجتهدين. الجامعين لشروط الاجتهاد المعروفة عند متأخري الأصو ليين. يحتاج إلى دليل يجب الرجوع إليه.
ولا دلي على ذلك ألبتة.
بل أدلة الكتاب والسنة. دالة على وجوب تدبر الوحي. وتفهمه وتعلمه والعمل بكل ما علم منه. علمًا صحيحًا قليلًا كان أوكثيرًا.
وهذه المسألة الثانية يتداخل بعض الكلام فيها. مع بعض الكلام. في المسألة الأولى. فهما شبه المسألة الواحدة.
المسألة الثالثة في التقليد في بيان معناه لغة واصطلاحًا وأقسامة وبيان ما يصح منها وما لا يصح:
اعلم أن التقليد في اللغة. هو جعل القلادة في العنق.
وتقليد الولاة هو جعل الولايات قلائد في أعناقهم.
ومنه قول لقيط الأيادي:
وقلدوا أمركم لله دركم ** رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا

وأما التقليد في اصطلاح الفقهاء: فهو الأخذ بمذهب الغير من غير معرفة دليله.